يقول خبير الإدارة المحنك " بيتر دراكر" : إنّ الطريقة المثلى لأن تتنبأ بالمستقبل هي أن تصنعه" ، فالجميع يريد مستقبلا باهرا و منيرا، ويحلم به و يتنبأ حصوله، ولكن هل الجميع مستعد لصناعته و إذا كان كذلك فكيف السبيل و ماهي الحلول و الآليات، وهل كل الذين يتمتعون الآن بحياة رغيدة و نجاحات عديدة قد قاموا في الماضي بصناعة مستقبلهم، واستغلوا كل الفرص التي قد أتيحت لهم، نعم كل هذه المعتقدات صحيحة و لكن السؤال الأهم هو كيف؛ بمعنى أدق ماهي الطرق التي اعتمدوها لصناعة مستقبلهم و كيف وصلوا إلى اليوم الذي أصبحت فيه كل أحلامهم حقيقة، فما لا يمكننا أن نتجاهله أنّ هؤلاء الناس مثلنا كانوا يحلمون بأمور و يضعون أهداف، وعملوا على تنفيذها فنجحوا و صنعوا مستقبلهم كما يريدون، فالنقطة الرئيسية المشتركة بين جميع الناس الناجحين في العالم، وفي الماضي و الحاضر وطبعا في المستقبل هي : الأهداف، و الذي يجعل من بعض الناس عظماء ومميزين عن غيرهم هو الاختلاف في طريقة وضعها و تحقيقها.
قبل أن نلوج في عمق الموضوع و نتحدث عن الأهداف، وكل ما يتعلق برسمهما و جدولتها و طرق تنفيذها، يجب أن يكون هدفك الرئيسي في الحياة أن تستفيد من كل النعم التي يمنحها الله لك في هذا العالم، ومن كل فرصة تجتاز طريقك، وتستغلها كأنها الخير كله، كأنها النعمة الوحيدة، فهذا سيسهل عليك كثيرا شق طريقك نحو هدفك الرئيسي في الحياة وهو الهدف الاستراتيجي، الهدف الأكبر و المسعى الأعظم.
قد يتبادر إلى ذهنك الآن مباشرة هدف معيّن ولكن هل هو هدف استراتيجي؟ بمعنى أيحقق كل أمنياتك، هل ستشعر يوم تنال مرادك أنك في كامل سعادتك أنك حققت شيئا مختلفا عن غيرك، نعم الاختلاف و التميّز و الابداع هو جوهر الهدف حتى يتسم هدفك بالهدف الاستراتيجي، فمثلا إن كان هدفك الحصول على شهادة ماستر، فهل ترى شيئا جديدا يميزك هنا عن غيرك؟ فالكثير من الشباب يتحصلون على هذه الشهادة في مختلف المجالات و في كل أنحاء العالم و معظمهم يظلون بلا عمل، ولكن إن كان هدفك الحصول على شهادة الماستر بمجموع مميز و ذلك من أجل الحصول على منحة للدراسة في بلد آخر، وهذه الدراسة تمنحك شهادة أعظم تعود بها إلى وطنك فتبني بها مشروع خاص يحقق لك دخل مالي مرتفع و تساهم به في عدة أمور أخرى كإضافة ترفع بها شأن وطنك، فهنا يصبح الهدف الاستراتيجي هو المشروع الذي سيأتي بعد عدة سنوات و يصبح الحصول على شهادة الماستر هو أحد الأهداف المرحلية الذي لا بد من تحقيقه بنجاح لأنّه خطوة ضرورية للانتقال إلى ما بعدها من خطوات من أجل إنجاح الهدف الأسمى: الهدف الاستراتيجي.
ولكن هل يعني الفشل في إحدى الأهداف المرحلية او الفرعية تنبآ بفشل الهدف الاستراتيجي الأساسي، وأنّه لا بد من الاستسلام و التخلي عنه، طبعا لا ، وهنا تكمن أهمية التخطيط للأهداف و عمل كل الاحتمالات ودراسة الحلول المناسبة لها، وتحدي كل الصعاب فكثيرا ما نجد على سبيل المثال رجل أعمال شهير بدون شهادات جامعية، فهذا الإنسان تحدى نفسه و اعتمد على قدراته الذاتية و التعليم الذاتي ليحقق حلمه و لم يترك فشله في الدراسة يشكل حجرة تعثر في طريقه.
والله تعالى إذا ما أغلق باب في وجه عبده فتح له الكثير من الأبواب الأخرى و هنا نعود إلى نقطة البداية و هي استغلال كل فرصة تمر بطريقك فربما تكون هي المفتاح الذي تبحث عنه، وهكذا تكون قد عبرت عبورا سليما على هذه الخطوة و لكن باستخدام الاحتمال الثاني و ربما الثالث، والأهم الاستمرارية و الإبداع.
إن الفائدة الحقيقية من وضع الأهداف الاستراتيجية البعيدة الأمد في حياتك، و العمل على تحقيقها و رسم كل الاحتمالات التي يمكن أن تصادفك ، الفائدة القصوى تكمن في عدم وقوعك يوما ما في حفرة الضياع و العيش بلا أهداف، خاصة إذا استسلمت عند أول تعثر، وفقدت الأمل و قررت أن لا تستمر، فتحديد الأهداف و رسمهما بصورة واضحة و قياس كل امكانيات نجاحها مع الصبر و تحدي كل المعيقات هو البداية الناجحة التي تصنع بها مستقبلك.